أخبار لبنان

المطران ابراهيم ترأس رتبة الغسل في سيدة النجاة : أعطِنا، يا رب، كهنة يشبهون قلبك

المطران ابراهيم ترأس رتبة الغسل في سيدة النجاة : أعطِنا، يا رب، كهنة يشبهون قلبك

ترأس رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم صلاة الغروب والليترجية الإلهية ورتبة غسل الأرجل في كاتدرائية سيدة المسيح في يوم خميس الأسرار المقدس بمشاركة كهنة الأبرشية وحضور عضو المجلس الدستوري القاضي ايلي مشرقاني، مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود وحشد كبير من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس كان للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن سر الكهنوت وعن اهمية الكهنة في حياة الكنيسة والمجتمع ومما قال:

أيّها الأحبّاء في المسيح، إخوتي الكهنة، أبناء الله المتأمّلين اليوم في سرّ العشاء الأخير… إخوتي المشاهدين عبر شاشات تيليليميار – نورسات وزحلة تي في ووسائل التواصل الاجتماعي…

نقف هذا اليوم أمام إحدى أقدس اللحظات في حياة الرب يسوع على الأرض، لحظة لم يُكتَب فيها فقط مشهدٌ من التاريخ، بل فُتِح فيها باب السرّ، وتجلّى فيها وجه الحبّ الإلهي بأسمى مظاهره.

في هذا الخميس العظيم المقدّس، خميس الأسرار، نرى يسوع، العريس السماوي، يجثو عند أقدام تلاميذه، ليغسلها. ليس هناك مشهد أكثر ثورةً على مفاهيم القوة والمجد البشري من هذا! الإله يغسل أرجل الإنسان… المعلم يغسل أقدام تلاميذه، لا كمن يحتقر ذاته، بل كمن يرفع قيمة الإنسان ويؤسّس كهنوت الخدمة.”

واضاف ” “أنتم تدعونني معلّمًا وسيّدًا، وحسنًا تقولون، لأني كذلك. فإن كنتُ وأنا السيّد والمعلّم قد غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أرجل بعض” (يو 13: 13-14)

هكذا ابتدأ سرّ الخدمة وسر الكهنوت… لا من عرشٍ ولا من قصر، بل من منشفةٍ وجرن ماء. من انحناءة الحبّ. من عمل يختصر الحياة المسيحية بكاملها: أن نُحبّ، لا بالكلام فقط، بل بالفعل والحق.

غسل الأرجل ليس طقسًا رمزيًا فقط، بل إعلان لجوهر الكهنوت: أن يكون الكاهن خادمًا. لا يتسلّط، بل ينحني. لا يطلب الأُجرة، بل يُعطي الذات. لا يدين، بل يرحم.

أيها الإخوة الكهنة، أنتم لستم فقط الممثّلين لتلاميذ الرب اليوم، أنتم ورثة سرّ الخدمة وسرّ الإفخارستيا. أنتم الذين دعاكم الرب، كما دعاهم، لا لأنكم أفضل من غيركم، بل لأنكم ضعفاء أحبّهم وأراد أن يُظهر في ضعفهم قوّته.

لقد أحبّهم إلى المنتهى، أحبّهم في لحظة الخيانة، في ساعة الظلمة، أحبّ بطرس رغم إنكاره، ويهوذا رغم خيانته. لكن بينما كان التلاميذ المجيدون في غسل العشاء يستنيرون، كان يهوذا الكافر يُظلم بمرض محبّة الأموال، ويُسلّمك أيها القاضي العادل إلى قضاة آثمة…”

وتابع ” ما أعمق هذا التباين! فبينما يغسل السيّد الأرجل المتّسخة، يوسّخ يهوذا قلبه بمحبة المال. وبينما تتنقّى الأرجل بالماء، يتدنّس قلب الخائن بالطمع.

أحبائي، لا تسقطوا في فخ يهوذا، ذلك الذي ظنّ أن المال يعطيه أمانًا، فاكتشف أنه كان يشتري به الهلاك. انظروا إليه، إلى الذي من جرائها عمد إلى الشنق. اهربوا من النفس غير القانعة، التي تجرّأت على المعلّم…

أليست هذه صرخة لاهوتية مملوءة بالحنان والإنذار معًا؟ صرخة الكنيسة، صرخة الليتورجيا، صرخة الرب نفسه: “يا يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟”.”

واردف سيادته ” أيّها الكهنة الأحبّاء، هل نسمع هذه الصرخة في داخلنا؟ هل نسمع صوت يسوع يقول لنا: “أحببتك. غسلت رجلك. وضعت جسدي في يديك. فهل تخونني أنت أيضًا؟”…

اليوم، نغسل أرجلنا من جديد، لا بالماء فقط، بل بدموع التوبة، وبالندامة على كل خيانة صغيرة، كل تهاون، كل وقت اعتبرنا فيه الكهنوت وظيفة لا رسالة، سلطة لا خدمة، شرفًا أرضيًا لا انسكابُ حبّ إلهي.

سرّ الكهنوت لا يمكن أن يُفهم إلا في ضوء الإفخارستيا، وسرّ الإفخارستيا لا يُفهم إلا في ضوء الغسل. فالذي أعطى جسده ودمه في العشاء، هو نفسه الذي انحنى وغسل أرجل أحبّائه. الكهنوت والإفخارستيا وجهان لسرّ واحد: سرّ الحبّ المنحني، المكسور، المراق من أجل خلاص العالم.

ولهذا، كل كاهن مدعوّ أن يكون “إفخارستيا حيّة”، أن يكون “خبزًا مكسورًا”، أن يكون منفتح القلب مثل المسيح الذي في العشاء الأخير جعل من نفسه عطيّة كاملة…

أين نحن من هذا الحب؟ هل لا زلنا نؤمن أن الكهنوت ليس امتيازًا بل صليبًا؟ أن الكاهن ليس موظفًا بل شهيدًا؟ أن الكاهن، كما كتب القديس يوحنا الذهبي الفم، يجب أن يكون “نارًا تمشي على الأرض”، يحرق ذاته لينير قلوب الآخرين؟”

وتابع ” أيها الإخوة الكهنة، في هذا العشاء الإلهي، حينما أجثو لأغسل أرجلكم، لا أراني فقط أتمّم طقسًا خارجيًا. بل أرى في كل قدم من أقدامكم تعب الخدمة، جراح الأمانة، تعب الرسالة، وصمت العطاء الخفي.

وأدعوكم في المقابل، أن تتأمّلوا في قدمي يسوع، المثقوبتين بعد ساعات من هذا العشاء، حين جعل من جسده ذبيحة، ومن دمه خلاصًا، ومن صليبه إفخارستيا أبدية.”

ختم المطران ابراهيم ”  فلنصلِّ مع الكنيسة: “يا من هو صالحٌ للجميع، يا ربّ المجد لك”.

أعطِنا، يا رب، كهنة يشبهون قلبك، لا يهربون من المصلوب، بل يعتلون معه الجلجلة كل يوم، حاملين على أكتافهم الجراح، ولكن واثقين بالقيامة.

أعطنا، يا رب، ألا نكون مثل يهوذا، بل مثل يوحنا، الذي أسند رأسه إلى صدرك.

أعطنا، يا رب، أن نغسل الأرجل، لا لنُظهر تواضعنا، بل لنجعل من أنفسنا جسورًا يُبنى  عليها ملكوتك… آمين.”