تكنولوجيا واقتصاد

 أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقِع والقانون الحرب على قطاع غزة نموذجاً 2023-2025

 أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقِع والقانون
الحرب على قطاع غزة نموذجاً 20232025

ضياء نعيم الصفدي

المقدمة:
تسعى “إسرائيل” في الكثير من الأحيان، حينما تحاول قصف منطقة معينة في قطاع غزة، أن تبرز للعالم أنها تحت أحكام القانون؛ وذلك من خلال التحذير المسْبَق للسكان المحيطة بالمنطقة محل الاستهداف، وهي ما يطلق عليها “أوامر الإخلاء” أو ما اعتاد على تسميتها سكان القطاع بالمنشورات أو المناشير، وهي عبارة عن أوراق مطبوعة تُلقى من طائرات الاحتلال، أو رسائل صوتية مسجلة ترسل على الهاتف النقال، أو منشورات إلكترونية عبر مواقع الإنترنت يُلْزِم فيها الاحتلال بإخلاء منطقة معينة من القطاع.
وعليه، فإن موضوع هذه الورقة يتمثل حول فهم ماهية أوامر الإخلاء، والتمييز بينها وبين المصطلحات المشابهة، من أجل الوقوف على حقيقتها ودورها الشكلي الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع، والذي لا يحيد من الدمار الفعلي، والقتل الدموي، والاستيلاء غير القانوني، والتهجير القسري.
وتهدف الورقة إلى التعريف بأوامر الإخلاء مع إبراز الدور الوهمي الذي تلعبه “إسرائيل” في إلقاء مثل هذه المنشورات وفهم أسلوب كلماتها وجودتها، كما وتهدف إلى التعرف على الوسائل التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في تكريس الإخلاء، والتعرف على أنواع الإخلاء. ومن ناحية أخرى، تهدف الورقة إلى توضيح الواقع الفعلي وكشف الستار عمّا وراء أوامر الإخلاء المشروعة والتي جعلها الاحتلال غير مشروعة.
لتكريس موضوع الورقة، وللوقوف على هدفها المنشود، ومن أجل الحصول على استنتاجات سليمة، اتَّبع الباحث مناهج عِدة؛ حيث اتَّبع المنهج الوصفي التحليلي؛ الذي يصف ظاهرة أوامر الإخلاء ومفهومها، وأنواعها، مع تحليل الموقف القانوني منها، والمواجهة التشريعية الدولية لمثل هذه الأوامر، ومن ثم تطبيق ما اتَّبعناه بالوصف والتحليل على أرض الواقع في قطاع غزة.
وعلى هدي ما سبق بيانه، ارتأى الباحث تقسيم الورقة الراهنة إلى ثلاثة بنود، وهي:
أولاً: تعريف أوامر الإخلاء وأنواعها ووسائلها.
ثانياً: التمييز بين أوامر الإخلاء وغيرها من المصطلحات المشابهة.
ثالثاً: حقيقة أوامر الإخلاء على أرض الواقع في قطاع غزة.

أولاً: تعريف أوامر الإخلاء وأنواعها ووسائلها:

تختلف أوامر الإخلاء عن غيرها من الوسائل التي يتَّبعها الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً في الحرب الأخيرة على غزة 20232025، سواء من حيث المدة الزمنية أم مساحة المنطقة المُراد إخلاؤها، كما وتتنوع الوسائل التي يستخدمها الاحتلال في ذلك الشأن.
لا بدّ في هذا الجانب التعرّض لتعريف أوامر الإخلاء، وللوسائل التي اتّبعها الاحتلال الإسرائيلي في تكريس الإخلاء، ومن ثم بيان أنواع الأخلاء، وذلك في البنود الثلاثة الآتية:

  1. تعريف أوامر الإخلاء:
أ- تعريف أوامر الإخلاء في ضوء اللغة:
تحتوي عبارة “أوامر الإخلاء” على مفردتين؛ الأولى “أوامر”: فالأمر في اللغة يعني التكليف، و”أمر”: يعني وجه، وقد جاء في التنزيل العزيز قوله تعالى: }…وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ…{ [الأعراف: 145]، وقوله: }خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ { [الأعراف: 199]، وقوله: }وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ…{ [طه: 132]، فعبارات الأمر الواردة في الآيات تدل على التوجيه والإلزام.
أما المفردة الثانية فهي “الإخلاء”، والذي يعني: جعله خالياً فارغاً، و”إخلاء المدينة”: تهجير سكانها، وقد جاء في التنزيل الكريم قوله تعالى: }قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَن…{ [آل عمران: 137]، وقوله: }…إِلَّا رَسُول قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ…{ [المائدة: 75]، وقوله: }…وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي…{ [الأحقاف: 17]، فكلمة “خَلَت” الواردة في الذكر الكريم تعني مضت وسلفت، وعليه يمكن القول أنّ أوامر الإخلاء في ضوء اللغة تعني توجيه السكان وإخراجهم من المدينة أو المنطقة.
ب- تعريف أوامر الإخلاء في ضوء التشريع الدولي:
ورد مصطلح “الإخلاء” ضمن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة Fourth Geneva Convention، والصادرة سنة 1949، حيث تنص المادة المُشار إليها على: “… ومع ذلك يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية…”.
يُفهم من النص السابق أنّ الإخلاء أمر مشروع ويتماشى مع القانون الدولي وأحكامه إذا ما روعيَ فيه أمن السكان، أو توفرت أسباب عسكرية قهرية.
فالقاعدة العامة التي يُرسّخها القانون الدولي هي حظر النقل أو التهجير القسري للسكان، والاستثناء على ذلك هو إمكانية إخلاء السكان أو ما يسمى بالإجلاء، فالأخير ممكن في ظروف محدودة للغاية، وهي سلامة السكان أو للأسباب العسكرية الملحة، ويجب عند إصدار الأمر بذلك مراعاة الضوابط والشروط التي اقتضتها كل من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 17/1 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف Protocol II to the Geneva Conventions والصادر سنة 1977، والقاعدة رقم 129 من قواعد القانون الدولي الإنساني Rules of international humanitarian law، وهذه الضوابط، هي:
  1. لا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة.
  2. يجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية بهذا القطاع.
  3. على دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات الإخلاء أن تتحقق إلى أقصى حدّ ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة.
  4. يجب إخطار الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرد حدوثها.
  5. لا يجوز لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلا إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية.
  6. لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحِّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها.
لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير النص السابق، والاستثناء من القاعدة العامة على ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من إلقاء أوامر الإخلاء على كافة مناطق قطاع غزة، بسبب السياسات التي كانت تتبعها “إسرائيل” عقب إلقاء تلك الأوامر، وهو ما سنوضحه في هذه الدراسة.
وقد جاء تعريف “الإخلاء” في مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث United Nations Office for Disaster Risk Reductio (UNDRR) بأنه: “نقل الناس والممتلكات مؤقتاً إلى أماكن أكثر أماناً قبل أو أثناء أو بعد وقوع حدث خطير من أجل حمايتهم”.
ج- تعريف أوامر الإخلاء في ضوء اجتهاد الفقه:
في الحقيقة، لم يتطرق الفقه القانوني بصورة كبيرة لتعريف أوامر الإخلاء، إنما تعرضوا، وسوف نوضح ذلك، لمصطلحات مشابهة كالتهجير والترحيل وغيرها.
وبناءً على نص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، وبناءً على ما كان يقوم به الاحتلال الإسرائيلي على أرض الواقع في قطاع غزة، نستأذن القول بوضع تعريفين لأوامر الإخلاء، أحدهما تعريف قانوني، وآخر تعريف فعلي. فأوامر الإخلاء من الناحية القانونية، هي عبارة عن أوامر مشروعة يقوم الاحتلال بتوجيهها للسكان المدنيين، يطلب منهم مغادرة منطقة معينة ولمدة مؤقتة؛ من أجل الحفاظ على حياتهم، أو لأسباب عسكرية مُلحّة، بشرط أن يوجههم لأماكن لا توجد بها كوارث أو مناطق قتال، مع إعادتهم للمنطقة التي أُخرجوا منها حين انتهاء سبب الإخلاء. أما أوامر الإخلاء من الناحية الفعلية، فهي عبارة عن رسائل قوية مُلزمة لسكان منطقة معينة بالخروج منها إما لسبب قصفها، أو الدخول إليها برياً، أو الاستيلاء عليها، أو تهجير سكانها، أو أسرهم، أو حصارهم.
  1. الوسائل التي اتَّبعها الاحتلال الإسرائيلي في تكريس الإخلاء:
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي العديد من الوسائل والطرق في الإخلاء؛ وهذه الطرق، هي:
أ- الاتصال على الهاتف المحمول:
يقوم الاحتلال الإسرائيلي بالاتصال على المواطنين الغزيين في المنطقة المراد إخلاؤها، وتتم هذه الطريقة بواحدة أو أكثر من الوسائل الثلاثة الآتية:

الوسيلة الأولى: الاتصال الصوتي المباشر بين ضابط المخابرات وبين المواطن: حيث يقوم الضابط بمحادثة المواطن بضرورة الإخلاء، مع التركيز على عبارات وهمية مثل: “من أجل سلامتكم”، “حفاظاً على حياتكم”، “يوجد خطر عليك وعلى أسرتك”، “المكان المستهدف قريب من مكانك”،…إلخ.
ويقوم الضابط بالتعريف عن نفسه؛ على سبيل المثال: “معك أبو رامي من المخابرات الإسرائيلية، يجب عليك أن تخلي بيتك الآن، من أجل قصفه أو من أجل قصف منزل جارك”.
ويقوم الاحتلال بالاتصال على المواطن برقم خاص (مجهول) في بعض الأحيان، وفي الغالب يتصل من رقم فلسطيني حتى لا يخاف المواطنين من الرد على الاتصال.

الوسيلة الثانية: الاتصال على الهاتف النّقّال عن طريق أسطوانة صوتية مسجلة: ويقوم الاحتلال بذلك عن طريق تسجيل صوتي مجهَّز ومحدّد فيه هدف الاتصال والمنطقة المراد إخلاؤها، وتأتي عبارات هذه الوسيلة على سبيل المثال كالتالي: “إلى سكان حيّ الدرج، هذه المنطقة أصبحت منطقة قتال خطيرة، يجب عليكم التوجه فوراً إلى الملاجئ المعروفة في غرب غزة”، أو “إلى سكان منطقة الكرامة والتوام والمقوسي والمخابرات، من أجل سلامتكم يجب عليكم التوجه فوراً إلى الملاجئ المعروفة في مدينة غزة”، ويختم الأسطوانة الصوتية بعبارة “جيش الدفاع الإسرائيلي”.

الوسيلة الثالثة: إرسال رسائل من خلال خدمة الرسائل القصيرة SMS: حيث يقوم الاحتلال الإسرائيلي بإرسال رسائل نصية على الهاتف النّقّال، يوضّح من خلالها بضرورة الإخلاء من المنطقة، وقد كثر إرسال مثل هذه الرسائل في الأيام الأولى للحرب خصوصاً شهرَي تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وبالغالب تأتي صيغة الرسالة النصية كما في الأسطوانة الصوتية المسجلة.

ب- المناشير أو المنشورات الورقية:
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي هذه الوسيلة التقليدية بكثرة منذ الحروب الأولى على غزة؛ بدءاً من حرب 2008 حتى الحرب الأخيرة، حيث تقوم طائرات الاحتلال بالتحليق فوق منطقة ما في قطاع غزة وإلقاء العديد من الأوراق التي يلزم فيها السكان بضرورة الاخلاء، أو بالترغيب في أمر ما، أو في بثّ الفوضى لدى الغزيين.
ففي يوم الجمعة الموافق 13/10/2023، ألقت الطائرات الإسرائيلية آلاف المناشير الورقية على شمال قطاع غزة، تُحذِّر فيه سكان ذلك الجزء من الأراضي الفلسطينية من الإخلاء إلى النصف الجنوبي منه. وقال ستيفان دوجاريك Stéphane Dujarric، المتحدث باسم الأمم المتحدة لشبكة سي بي إس نيوز CBC News، “إن ضباط الارتباط مع قوات الدفاع الإسرائيلية أبلغوا الأمم المتحدة قبل منتصف ليل الخميس بتوقيت غزة أن جميع سكان شمال وادي غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب غزة خلال الـ 24 ساعة القادمة”.
محتويات المنشور الورقي: يحتوي المنشور الورقي والمكتوب باللغة العربية على عبارة بالخط العريض (تحذير أو بيان عاجل)، وعلى باركود QR، وعلى شعار “جيش الدفاع الإسرائيلي”، كما ويحتوي على رسم خرائطي للمنطقة المُراد إخلاؤها والمنطقة المراد اللجوء إليها.

ج- المنشورات الإلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي:
من الطرق التي يلجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي في ضرورة الإخلاء من منطقة ما في قطاع غزة، هي تنزيل منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً على موقع فيسبوك Facebook، وذلك عبر الصفحة الشخصية للمتحدث باللغة العربية باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي Avichay Adraee، אֲבִיחַי אַדְרָעִי، أو على صفحة المنسّق الإسرائيلي.
ويحتوي المنشور الإلكتروني على التفاصيل ذاتها الذي يحتوي عليها المنشور الورقي من بيانات أشرنا إليها أعلاه.
ومن الجدير ذكره، أنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يستخدم الطرق المُشار إليها أعلاه من أجل أوامر الإخلاء فقط؛ إنما يستخدمها للعديد من الأمور الأخرى، كالتحريض بين أبناء الشعب الفلسطيني، وكطلب مساعدة من المواطنين وإغرائهم بالمال، أو طلب من المواطنين الإبلاغ عن أمر ما، ويرفق الجيش في المنشور الورقي أو الإلكتروني وسيلة اتصال. انظر ملاحق هذه الورقة.

3. أنواع أوامر الأخلاء:

حينما تعرَّضت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 لموضوع الإخلاء، فإنها وضَّحت أنواع الإخلاء والذي بدوره ينقسم إلى إخلاء كلي، وإخلاء جزئي؛ حيث تنص المادة المذكورة على: “… يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي…”، ومن الناحية الفعلية، بالفعل يوجد إخلاء جزئي وإخلاء كلي.
أ- الإخلاء الجزئي:
تُقْدِم “إسرائيل” على هذا النوع من الإخلاء حينما تريد قصف منزل، أو مؤسسة، أو محال، أو سوق، وتقوم بالإخلاء عن طريق الاتصال بصاحب المنزل شخصياً أو الاتصال بشخص ملاصق للمنزل المستهدف، إذاً فالإخلاء في هذه الحالة لا يتجاوز سوى بضعة من الأمتار.
وقد كَثُرَ استخدام هذا النوع من الإخلاء في الحروب التي تسبق الحرب الحالية، حينما كان حجم الدمار أقل بكثير من الحرب الراهنة.
ب- الإخلاء الكلي:
أولى استخدام “إسرائيل” للإخلاء الكلي هو في الحرب الأخيرة على غزة، وهو ما حدث في يوم الجمعة 13/10/2023 حينما أعلن الاحتلال الإسرائيلي وأمر سكان شمال غزة باللجوء إلى وادي غزة جنوباً، فإن الحالة هذه تُعدّ أوامر إخلاء كلية لمنطقة شمال قطاع غزة.
ثم تزامنت أوامر الإخلاء الكلية لمناطق أخرى مثل منطقة معسكر جباليا ومنطقة بيت حانون وبيت لاهيا أو جباليا البلد، ومنطقة الكرامة والتوام وأبراج المقوسي، وغيرها من المناطق الشمالية، والشمالية الغربية، باللجوء إلى وسط مدينة غزة، فكل ذلك يصنف على أنه إخلاء كلي على اعتبار أنه نقل كلّ السكان القانطين في منطقة تتبع لبلدية معينة إلى منطقة أخرى غير تلك البلدية التي تتبعهم.
ومن الجدير ذكره، أنّ الإخلاء الكلي المذكور أعلاه، والذي قام به الاحتلال الإسرائيلي من الناحيتين الفعلية والقانونية لهو جريمة دولية توصف بـ”النقل القسري”، وهو إرغام السكان على اللجوء من منطقة سكنهم الأصلية إلى منطقة أخرى في الإقليم ذاته، وهو ما سنبيّنه في البند الآتي.

ثانياً: التمييز بين أوامر الإخلاء وغيرها من المصطلحات المشابهة:

يتَّفق ويختلف الإخلاء عن غيره من المصطلحات المشابهة الأخرى، وغالباً ما يحدث خلط أو تشعّب في المصطلحات سواء في أقلام الفقه أم في نصوص التشريع الدولي، مثل: “الإبعاد، والترحيل، والنفي، والطرد، والتغريب، والنزوح، واللجوء، والتهجير، والتشريد، والنقل القسري، والتهجير القسري”، وهي في الحقيقة لا تشير للمعنى ذاته، ولعدم الوقوع فيما يسمى بـ”فوضى الاصطلاح” لا بدّ من توضيح ذلك على النحو الآتي:

  1. التمييز بين “الإخلاء” وبين “النقل القسري والإبعاد“:
تُعدّ جريمتَا الإبعاد Deportation والنقل Transfer القسري من الجرائم الدولية التي سعى المشرّع الدولي إلى إضفاء الحماية القانونية عليها نظراً لخطورتها الجسيمة.
وقد أشار نظام روما الأساسي   Rome Statuteلسنة 1998 إلى جريمة الإبعاد والنقل القسري، ووضَّح أنّ كلّ من الجريمتين تتّخذ أكثر من وصف إذا ما تمّ ارتكابهما في حالات معينة نصّ عليها القانون، فقد تكون جريمة الإبعاد والنقل القسري جريمة ضدّ الإنسانية، أو جريمة حرب، أو جريمة إبادة جماعية.
ولعدم تشتّت المصطلحات بخصوص هذه الجريمة، يتعيّن علينا في البداية أن نضع مصطلحاً عاماً يُطلق عليه “التهجير القسري”، والذي يمكن القول بأنّ هذا المصطلح أو هذه الجريمة هي “الجريمة الأم” لجريمتَي الإبعاد والنقل القسري.
وكِلتا الجريمتين، الإبعاد والنقل القسري، تتشابهان من حيث أنهما جرائم دولية، وأنهما يُرتكبا قسراً، بَيْدَ إن الافتراق بينهما يتمثل فيما ميّزه الفقه والقضاء الجنائي الدولي، وهي في الحقيقة تفرقة تفيد ولا تضر، حيث يكون “الإبعاد” عن طريق قيام المحتل أو الجاني بطرد السكان الأصليين في منطقة سكنهم المشروعة إلى مكان آخر خارج حدود إقليم الدولة، وهو ما يطلق عليه اسم “مبعدون أو مهجرون خارجياً”، بَيْدَ أنّ النّقل القسري هو تهجير داخل حدود الدولة، بمعنى أن النّقل القسري هو عبارة عن إرغام السكان المدنيين على الانتقال من مكان سكنهم الأصلي لمكان آخر داخل حدود الإقليم نفسه، مما يعني إرغام سكان شمال غزة أو شرق غزة أو جنوب غزة أو أي منطقة يوجد بها المدنيين في مناطقهم الأصلية على اللّجوء إلى مناطق أخرى، فإنه والحالة هذه يُعدّ جريمة دولية تُصنَّف ضمن جريمة النقل القسري، وذلك عملاً بأحكام نظام روما الأساسي.
وهنالك من جعل النقل القسري (أي الذي يتم داخل الإقليم) جزءاً من الإبعاد ويطلق عليه الإبعاد أو النزوح الداخلي، فالنّقل جزء من الإبعاد والعكس غير صحيح، وهنالك من أطلق على كلّ من الإبعاد والنّقل القسري اسم “التهجير المتعمّد”، ووضَّح أنّه يكون إما بترحيل السكان في مناطق أخرى وإما نقلهم إلى إجزاء من البلاد. وحول الفكرة ذاتها، وضع الدكتور وليم نصار تعريفاً جامعاً لكلا الإبعاد والنقل القسري في مصطلح اسمه “الإبعاد القسري” وعرَّفه بأنّه: “إجبار مجموعة من السكان تقيم بصورة قانونية على أرضها وفي ديارها على الانتقال إلى منطقة أخرى ضمن الدولة نفسها أو خارجها بناءً على منهجية وتخطيط تشرف عليهما الدولة أو الجماعات التابعة لها أو جماعات أخرى أقوى”.
وقد أكَّدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia (ICTY) في قضية راديسلاف كرستيتش Radislav Krstić على عدم التعويل بدرجة كبيرة للتفرقة بين المصطلحين، وإنّ التمييز بينهما لا يؤثر على إدانة مثل هذه الممارسات، وأضافت أنّ أي نزوح قسري يُعدّ تجربة مؤلمة تتضمن التخلي عن المنزل وفقدان الممتلكات والنزح تحت الضغط إلى مكان آخر. وتأكيداً لذلك، أشارت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية ميلومير ستاكيتش Milomir Stakić أنّ الاستخدام المتزامن لكِلا المصطلحين “الترحيل والنقل القسري” قد يؤدي إلى إيجاد مصطلحات متناقضة، وارتباك في القانون. ويضيف الباحث أنّ كلّ منهما له آثاره النفسية والجسدية على الشخص المهجَّر من مكان سكنه الأصلي سواء أخرج من مكانه إلى مكان خارج دولته أم أخرج من مكانه إلى مكان آخر لكن في دولته نفسها، وكلّ منهما جريمة دولية عقابهما واحد تمّ النص عليها في الأنظمة الدولية أحدثها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن الضرورة بمكان، الإشارة إلى أن كلمة “قسري أو قسراً” ليست حِكراً على الوسائل المادية الجبرية، إنما قد تكون في صورة وسائل أخرى كالتجويع، والحصار، أو التهديد أو التخويف من أجل إرغامهم، أي المدنيين، على ترك أماكن سكنهم الأصلية، فالملاحظ من الأدبيات التي تتناول موضوع هذا المَوْضِع تَقْرن كلمة “قسري” بعد كلمة “ترحيل أو إبعاد أو نقل”. وعليه يمكن القول، إن مصطلحات “الترحيل، الإبعاد، الطرد”، تشير لجريمة الإبعاد القسري، فيما مصطلح “النقل القسري” يشير إلى جريمة النقل القسري للسكان.
بالتزامن مع ما سبق ذكره، فإنّ الفرق بين الإخلاء وبين التهجير القسري اتضح جلياً؛ فالتهجير القسري هو جريمة دولية ورد النص عليها ضمن الأنظمة الدولية أحدثها نظام روما الأساسي، في حين أن أوامر الإخلاء من وجهة نظر القانون لا تُعدّ جريمة بل تُعدّ أمراً مشروعاً إذا ما روعيت الأسباب المبينة في القانون الدولي وهي أمن السكان، والضرورة العسكرية الملحة.
ومن نافلة القول، يتّفق كلّ من الإخلاء والتهجير والنقل والإبعاد والترحيل وجميع المصطلحات ذات الصلة، تلك التي وضعناها تحت مسمى الجريمة الأم أي التهجير القسري، أنّ جميعها تهدف إلى إخراج المدنيين من مواطنهم وأماكن سكنهم الأصلية، لكنّ الاختلاف في السبب أولاً، وفي المكان المراد اللجوء إليه ثانياً، وفي المدة الزمنية الدائمة أو المؤقتة.
وجدير بالذكر أنّه ليس من الضرورة حين ورود مصطلح “إخلاء” وإقران كلمة “قسري” عقبها يُعنى به الإخلاء المشروع الذي نتحدث عنه، فالعبرة ليست في المسمى إنما بالجوهر، فكلمة إخلاء قسري قد يشار إلى أنها الإبعاد أو النقل القسري سواء داخل أم خارج البلد؛ وتأكيداً لذلك جاء تعريف “إخلاء المساكن بالإكراه” في لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية Committee on Economic, Social and Cultural Rights (CESCR) بأنّه:
نقل الأفراد والأُسر و/أو المجتمعات المحلية، بشكل دائم أو مؤقت ورغم إرادتهم، من المنازل و/أو الأراضي التي يشغلونها، دون إتاحة سبل مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أنواع الحماية أو إتاحة إمكانية الحصول عليها، غير أنّ حظر حالات إخلاء المساكن بالإكراه لا يسري على حالات الإخلاء التي تطبّق بالإكراه وفقاً لأحكام القانون والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان.
هذا التعريف يشمل عناصر مثل: الطرد من المنزل أو الأرض أو كليهما بصورة دائمة أو مؤقتة، تنفيذ الطرد ضدّ السكان بالقوة أو بدونها، توفير الطرد دون توفير سكن بديل، تنفيذ الطرد دون مراعاة الأصول الوطنية والدولية، مما يجعل التعريف الراهن يختلف عن تعريف أوامر الإخلاء الواردة في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وهو عكس الضوابط التي نصّت المادة المذكورة، على الرغم من ذكر كلمة “إخلاء” وإلحاقها بكلمة “قسري”، فالعبرة بالجوهر لا بالمسمى.
  1. التمييز بين الإخلاء واللجوء:
اللاجِئُ: من لاذ بغير وطنه فراراً من اضطهاد أو حرب أو مجاعة، وهو الذي هرب من بلاده لأمر سياسي أو غيره ولجأ إلى بلاد سواها، قال تعالى: }ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ…{ [الحج: 40]، قال العوفي عن ابن عباس أنَّهم أُخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق، وهم محمد عليه السلام وأصحابه. وقد جاء تعريف اللاجئ في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 بأنّه:
كلّ شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/ يناير 1951م، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يعود إلى ذلك البلد.
وُلِدت قضية اللاجئين الفلسطينيين من رحم حرب 1948، تلك الحرب التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدن الفلسطينية بناءً على خطط تمهيدية تمت مسبقاً قبل بدء الحرب بنحو قرن من الزمان، وذلك حينما تمّ تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية World Zionist Organization، مروراً بالاحتلال والانتداب البريطاني على فلسطين، وصدور القرارات الدولية الخاصة بتقسيم فلسطين حتى بداية الحرب على فلسطين 1948.
أما مصطلح اللاجئون الفلسطينيون: فهو مصطلح شائع لتمييز الفلسطينيين الذين أصبحوا، وما يزالون مهجَّرين من فلسطين التاريخية، والتي تسمى “إسرائيل” حالياً، إلى خارج فلسطين سواء كان ذلك سنة 1948 أم 1967. ويعود هذا المصطلح إلى ثلاث فئات، وهم: لاجئي سنة 1948 بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدةUN General Assembly  رقم 194، ولاجئي سنة 1967 بحسب قرار مجلس الأمن للأمم المتحدةSecurity Council  رقم 237، والفئة الثالثة هي دون الفئتين السابقتين، وتشمل الفلسطينيين الّذين أُجبروا على ترك قطاع غزة والضفة الغربية بسبب الخوف والاضطهاد.
يتبيّن مما سبق أنّ الفرق بين اللّجوء والإخلاء هو أن اللّجوء يكون تهجير السكان حصراً إلى خارج الحدود التابعة لدولتهم، في حين أوامر الإخلاء لا تتعدى إجلاء السكان لخارج الحدود الدولية بل تبقيهم ضمن حدود الدولة، مثلما جاءت المادة 49 من اتفاقية جنيف وبيَّنت هذا الضابط.
  1. التمييز بين الإخلاء والنزوح:
النزوح شأنه شأن النقل القسري الذي يتم داخل الحدود، أو ما يسمى بالإبعاد الداخلي، أو التشريد الداخلي، وقد جاء تعريف المشردين داخلياً بأنهم:
الأشخاص أو جماعات الأشخاص الّذين أُكرهوا على الهرب أو على ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة أو اضطروا إلى ذلك، ولا سيّما نتيجة أو سعياً لتفادي آثار نزاع مسلح أو حالات عنف عام الأثر أو انتهاكات حقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو كوارث من فعل البشر ولم يعبروا الحدود الدولية المعترف بها للدولة.
وفي الحالة الفلسطينية، يُطلق مصطلح “المهجرون داخلياً” على أربع فئات، وهم:
أ. الفلسطينيون الذين تمّ تهجريهم من بيوتهم وديارهم الأصلية في أثناء الصراع العربي الإسرائيلي الأول 1947-1948، وما زالوا يقيمون على جزء من فلسطين، والذي أصبح يعرف بـ”إسرائيل” في 15/5/1948، حيث لم يُسمح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم فيما بعد.
ب. الفلسطينيون الذين هُجِّروا بعد سنة 1948 من ديارهم الواقعة فيما يُعرف بـ”إسرائيل”، وما زالوا غير قادرين على العودة إلى بيوتهم.
ج. الفلسطينيون الّذين هم أصلاً من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والّذين تمّ تهجريهم داخلياً أول مرة في أثناء الصراع العربي الإسرائيلي سنة 1967 ولم يسمح لهم بالعودة لديارهم حتى يومنا هذا.
د. الفلسطينيون الّذين هم أصلاً من قطاع غزة والضفة الغربية والّذين تمّ تهجيرهم داخلياً من بيوتهم للمرة الأولى نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها “إسرائيل” منذ سنة 1967 كنتيجة هدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وإقامة جدار الفصل العنصري.
وعليه، يتفق كل من التشريد والنزوح الداخلي والإخلاء أنّ كل منهم يكون داخل حدود الدولة، في حين أنّ الاختلاف بينهم هو أنّ النزوح الداخلي يُعدّ جريمة توصف بالنقل القسري كما ذكرنا، في حين أوامر الإخلاء لا تُعدّ جريمة إذا ما تمت وفق ضوابط القانون الدولي، كالضرورة العسكرية القهرية أو مراعاة أمن السكان.
وما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الراهنة تحت ذريعة أوامر الإخلاء هو في حقيقته: التشريد أو التهجير أو النزوح الداخلي، أو أيضاً النقل القسري للسكان، وهو بالمحصلة جريمة دولية.

4.  التمييز بين الإخلاء وبين النّفي والتّغريب:

يُعدّ كلاً من النفي والتغريب من العقوبات، وليس الجرائم، وهي عقوبات تحدّ من حرية التنقل داخل البلاد، وقد أشار إلى هاتين العقوبتين الفقه الإسلامي؛ فأمّا “عقوبة التغريب” فهي عقوبة تكميلية تكون للزاني غير المحصن، حيث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنّه أمر فيمن زنى، ولم يحصن يجلد مائة، وتغريب عام”.
بينما “عقوبة النفي” فتجب على قاطع الطريق إذا أخاف الناس ولم يقتلهم ولم يأخذ منهم أموالاً، ويكون النفي من بلد إلى بلد داخل حدود دار الإسلام، مع حبسه داخل البلد التي نفي إليها، ولا توجد مدة محددة لحبسه، بل هو متوقف على توبة المحكوم عليه وصلاحه، قال تعالى: }إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡي فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ [المائدة: 33]. إن التفرقة الأهم بهذا الجانب، أن الإخلاء أمر مشروع، وإن النفي والتغريب هي عقوبات وليست جرائم.

  1. التمييز بين الإخلاء الدولي وبين الإخلاء الداخلي (الوطني):
الإخلاء الدولي هو محور دراستنا، أي الذي نَقصد فيه إخلاء منطقة ما لأسباب عسكرية ملحّة، أو لأمن السكان. فيما يُقْصَد بالإخلاء الدّاخلي، قد يكون إخلاء قانونياً قضائياً، ويكون ذلك في قضايا عديدة، مثل إخلاء المأجور وفقاً لحالات الإخلاء المنصوص عليها في القانون. وهنالك إخلاء داخلي عام، كإخلاء المباني. وجاء تعريف الإخلاء بأنّه: “نقل الأشخاص والممتلكات من منطقة الخطر (خطر واقع أو خطر محتمل)، إلى منطقة الأمان خارج المبنى في نقطة تجمع”، وقد ورد تعريف الإخلاء أيضاً بأنّه: “نقل الأشخاص من الأماكن المعرضة للخطر أو التي تعرضت لأخطار الحروب والكوارث والطوارئ المختلفة (طبيعة، صناعية، حربية…إلخ) إلى أقرب مكان آمن”.
خلاصة ما سبق ذكره، نرفق جدول (من إعداد الباحث) يبيّن فيه بصورة عامة الفرق بين المصطلحات أعلاه:
# المصطلح التكييف
1 أوامر الإخلاء مشروعة
2 النزوح، واللجوء، والإبعاد، والتشريد الداخلي، والنقل القسري جريمة
3 النفي، والتغريب عقوبة
4 الإخلاء القضائي الداخلي قانوني
ثالثاً: حقيقة أوامر الإخلاء على أرض الواقع في قطاع غزة:

ألقى الاحتلال الإسرائيلي مئات أوامر الإخلاء على رؤوس المدنيين في مختلف مناطق قطاع غزة، إلا أن جلّها، بل دون مبالغة جميعها لا يستقم وصحيح القانون، ولقد ذكرنا أن القانون الدولي نصّ على أسباب وضوابط وحدود الإخلاء، بَيْدَ أنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بأيّ ضابط من ضوابط الإخلاء. ونستنتج من ذلك التّحوّل من المشروع إلى الممنوع، ومن الإباحة إلى التجريم، ومن انتفاء المسؤولية إلى قيام المسؤولية؛ حيث تتحوّل أوامر الإخلاء المشروعة إلى جرائم دولية محظورة، وهو ما سنبيّنه على النحو الآتي:

  1. الإخلاء والاستيلاء على الأراضي:
تتمثّل أحد أهم الملامح والأهداف التي تسعى إليها “إسرائيل” هي السير على منهج ضمّ الأراضي، ولا يقتصر ذلك على استحواذها على أكبر مساحة من الأرض يقطن عليها أكبر عدد من الإسرائيليين؛ إنما إعادة رسم خريطة هذه الأرض بحيث تضم أقل عدد من السكان الأصلين (الفلسطينيين)، وفي إطار ذلك تقوم بعمليات الطرد والتهجير للسكان الفلسطينيين.
يلقي الاحتلال الإسرائيلي أوامر الإخلاء ليس تحت بند الضرورة العسكرية المُلحة، ولا لسواد عيون سكان قطاع غزة وأمنهم وحمايتهم؛ إنما من أجل الاستيلاء على أراضي في قطاع غزة، وهو ما أصبح جلياً في أوامر الإخلاء الإلكترونية الحديثة التي  ينشرها الاحتلال (انظر الصور على اليسار)، ففي المناشير المبينة بهذا الصدد يوضع الاحتلال خريطة متكاملة للمنطقة، ويميز المنطقة المراد إخلاؤها باللون الأحمر، مع تحديد المناطق التي يسيطر عليها وهي باللون الأبيض والمظلّلة بخط يشبه العلامة المائية.
فهذه المناطق المظلَّلة هي داخل قطاع غزة، إلا أنّ الاحتلال الإسرائيلي أصبح مسيطراً عليها بالكامل، الأمر الذي لا يتّفق وأوامر الإخلاء المبيّنة في القانون الدولي، مما ينقل ما قام به الاحتلال من دائرة الإباحة (أوامر الإخلاء المشروعة) إلى دائرة التجريم (الاستيلاء على الأراضي المحظورة).
حيث نصت المادة 47 من اتفاقية لاهاي Hague Convention  على: “يحظر السلب حظراً تاماً”، وقد حظر نظام روما الأساسي الاستيلاء وجعله جريمة حرب، حيث جاء في نصّ المادة 8/2/أ-4 من نظام روما: “إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية ملحّة تبرر ذلك، وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة”.
  1. الإخلاء هو جريمة نقل قسري للسكان:
ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي من إلقاء مناشير بأنواعها في سماء منطقة ما في القطاع، مبيناً فيها بضرورة اللّجوء لمكان ما هو في حقيقته نقل قسري للسكان، وهو تماماً كما أشرنا إليه آنفاً حينما تعرضنا للتفرقة بين المصطلحات؛ فبعد أن يلقي الاحتلال هذه المناشير على منطقة شمال غزة مثلاً، فإنّه بساعات قليلة يقوم سلاح الجو والمدفعية والبحرية بإطلاق نيرانه في المنطقة المحددة فيقتل من يقتل، ويجرح من يجرح، ويُهجّر قسراً من يُهجّر، فبعد قصفه وتهديده لمنطقة شمال غزة يدخل إليها برياً، ويحاصر السكان المتواجدين في تلك المنطقة، وبعد التحقيق معهم واحتجازهم  يُهجِّرهم جبراً وقسراً إلى جنوب قطاع غزة، وهي بذلك جريمة دوليّة تُصنّف على أنها جريمة ضدّ الإنسانية أو جريمة حرب أو جريمة إبادة جماعية، كلّ حسب آلية ارتكابها (راجع البند ثانياً من هذه الدراسة).
وتأكيداً لذلك، قالت رافينا شامداساني Ravina Shamdasani، المتحدِّثة باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة: “يبدو أنّه لم تكن هناك أي محاولة من جانب إسرائيل لضمان ذلك للمدنيين البالغ عددهم 1.1 مليون ممن أُمروا بالتحرك، ويساورنا القلق من أنّ هذا الأمر، المقترن بفرض  (حصار كامل) على غزة، لا يمكن اعتباره إجلاءً مؤقتاً قانونياً، وبالتالي قد يصل إلى مستوى النقل القسري للمدنيين بما ينتهك القانون الدولي”. وأضافت: “إنّ إصدار القوات الإسرائيلية بشكل متصاعد لأوامر الإخلاء، وهي في الواقع أوامر تهجير، أدّى إلى نقل فلسطينيين في غزة قسراً نحو مساحات تزداد تقلّصاً، حيث تتاح لهم بالكاد أو تنعدم نهائياً فرصة الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة، بما فيها المياه والغذاء والمأوى، وحيث لا يزالون يتعرضون للاعتداءات”.
  1. الإخلاء هو تدمير الممتلكات:
يخالف الاحتلال الإسرائيلي فحوى أوامر الإخلاء المشروعة؛ ويقوم بتدمير الممتلكات، والمنازل، والعقارات؛ فبعد أن يلقي الاحتلال أوامره على منطقة ما ويقصفها جوياً ثم يدخلها برياً، فإنّه يمكث فيها فترة تتراوح من أسابيع إلى ثلاثة أشهر، ويقوم في تلك الأثناء بتدمير منازل المواطنين دون ضرورة عسكرية ولا سبب مُلِحْ أو قهري.
وما يقوم به الاحتلال من تدمير ممتلكات يصنَّف على أنّه جريمة دولية تحت تكييف جريمة حرب، حيث نصت المادة 8/2/ب-5 على: “مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأي وسيلة كانت”، وكذلك المادة 8/2/أ-4 من نظام روما والتي تنص على: “إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية ملحّة تبرر ذلك، وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة”.
  1. الإخلاء وعدم توفير الأماكن الآمنة:
ألزم القانون الدولي أنّه حينما يتم إصدار الأمر بالإخلاء فإنّه من الضروريّ توجيه السكان إلى منطقة تحتوي على حياة غير نائية، ومنطقة لا يوجد بها أي ضرر على النّفس، ولا يوجد بها معارك قتالية. ونصّت المادة 49 من اتفاقية جنيف: “… وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقّق إلى أقصى حدّ ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أنّ الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة…”.
إلا أنّ الاحتلال الإسرائيلي ارتكب عكس ذلك؛ حيث قام بإلزام السكان بالنزوح إلى جنوب قطاع غزة، وقد لجأ غالبية سكان غزة إلى مدينة رفح ومدينة خانيونس، وإلى الأراضي الخالية والتي تعدّ صحراء قاحلة، حيث لا ماء، ولا مأوى، ولا زرع، ولا شجر، ولا حجر، الأمر الذي لا يتّفق وأوامر الإخلاء.
وكان الاحتلال يقصف تلك الأماكن وخيام النازحين بين الفينة والأخرى، تلك المناطق التي ادّعى أنها آمنة بالإضافة إلى أنّها منطقة خطيرة لا تتفق والقانون الدولي في إجلاء السكان إليها.
وقد ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA)  أنّ إصدار أوامر الإخلاء الجماعي في غزة، دون ضمان وجود أماكن آمنة وملائمة للنازحين، ما يزال يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل لمئات آلاف الناس.
أوامر الإخلاء وتفريق العائلة الواحدة:
ألزم القانون الدولي حينما يتم إصدار الأمر بالإخلاء فإنّه من الضروريّ عدم تفريق أبناء الأسرة الواحدة، حيث نصت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على: “… ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة…”.
إلّا أن الاحتلال الإسرائيلي بعد أن ألقى أوامر الإخلاء على مناطق شمال قطاع غزة باللجوء جنوباً، أقام في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 حاجزاً عسكرياً على محور نتساريم وسط قطاع غزة، وبعد تدفق العائلات إلى الجنوب كان الاحتلال يوقف بعض أفراد العائلة الواحدة ويأخذهم أسرى، أو يقتلهم، أو يتم إخفائهم قسراً.
  1. أوامر الإخلاء وحقّ الاختيار:
إنّ التحذيرات الإسرائيلية بأنواعها التي تطالب الفلسطينيين بمغادرة منازلهم هي تحذيرات غير قانونية؛ نظراً لكونها لا تتضمن أي احتماليّة لإلغاء الهجوم إذا قرّر الفلسطيني عدم مغادرة منزله، وهذا ما كفله القانون الدولي تحت مسمّى “حقّ الاختيار” في الهجرة من عدمها، فلا يجوز بأيّ حال إرغام المواطنين قسراً وجبراً وكرهاً على الخروج من أماكن سكنهم دون ترك حقّ الاختيار لهم.
وهو ما أكّدته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية بلاغوي سيميتش Blagoje Simić، وآخرين، حيث ترى الدائرة الابتدائية: “عند تقييم إذا ما كان نزوح شخص ما طوعياً أم لا، ينبغي النظر إلى ما هو أبعد من الشكليات، والنظر في جميع الظروف المحيطة بنزوح ذلك الشخص للتأكد من نيّته الحقيقية. فعلى سبيل المثال، في الحالات التي يُنقل فيها الأشخاص بعد احتجازهم في مكان ما أو عدة أماكن، إلى جانب أشكال مختلفة من المعاملة السيئة، فإنّ إبداء الموافقة لا يعكس بالضرورة رغبة حقيقية في المغادرة”، وأضافت الدائرة الابتدائية: ” يمكن الاستدلال على انعدام الخيار الحقيقي، من بين أمور أخرى، من خلال الأعمال التهديدية والترهيبية التي تهدف إلى حرمان السكان المدنيين من ممارسة إرادتهم الحرة، مثل قصف الأعيان المدنية، وحرق الممتلكات المدنية، وارتكاب- أو التهديد بارتكاب- جرائم أخرى “تهدف إلى ترويع السكان ودفعهم إلى الفرار من المنطقة دون أمل العودة” “.
مما يعني أنّ ما تقوم به “إسرائيل” يخالف القانون والقضاء الدولي، فحينما تلقي أوامر إخلاء وهمية، ثم تطلق قذائفها المدفعية العشوائية، وصواريخ طائراتها، ومدافع زوارقها في منطقة ما في قطاع غزة، ثم تدخل المنطقة برياً وتحتجز سكانها المدنيين في ظروف صعبة، فهي حقّاً حرمتهم من حقّ الاختيار، ولم تجعل لهم إلا خيار المغادرة، وهم ليس لديهم رغبة حقيقيّة في الخروج من منازلهم.

الخاتمة:
لم ينجح سعي “إسرائيل” في أن تبرز للعالم أنها تحت أحكام القانون الدولي عند رميها المناشير بأنواعها على السكان المدنيين أو ما يسمى بالتحذير المسبق؛ إذ كُشف الستار عمّا وراء أوامر الإخلاء والتي أضحت في حقيقتها جرائم دولية تستوجب المساءلة الجنائية والمدنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ورعاياها الجناة.
كشفت الورقة الراهنة أن “إسرائيل” صاحبة الرقم القياسي في اختراق القانون الدولي، وعدم احترام مبادئه، والتحايل على قواعده، وتقويض إلزاميته؛ من خلال ارتكاب كافة الجرائم الدولية، ومخالفة جميع النصوص القانونية والاجتهادات القضائية والتفسيرات الفقهية.
ألقى الجيش الإسرائيلي منذ 7/10/2023 حتى كتابة هذه الورقة آلاف المناشير الورقية والإلكترونية، على رؤوس سكان المواطنين في قطاع غزة تلزمهم بإخلاء مساكنهم، واللجوء إلى مناطق أخرى في القطاع أو اللجوء إلى جنوب القطاع، وهذه الأوامر ليست كسابقها، فهي تحتوي على لغة جديدة شديدة، وأسلوب مغاير، ومساحة إخلاء أكبر، والإخلاء بالقوة العسكرية.
إلا أن التكييف القانوني لمثل هذا الإخلاء يصنف على أنه جريمة دولية تحت تكييف جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب، وجريمة إبادة جماعية، الأمر الذي يلصق الاحتلال بالمساءلة القانونية الدولية، وإن التكييف الدقيق لمثل هذه الإخلاءات يقع تحت مصطلحات “التشريد الداخلي، والنزوح، والإبعاد الداخلي”، حيث أجبرت هذه الأوامر تشريد نحو مليونَي نازح فلسطيني تحت ذريعة أوامر الإخلاء.
وأخيراً، لم توضّح نصوص القانون الدولي المقصود بالأسباب العسكرية القهرية أو المُلْحّة، مما يمكن معه القول أن تلك الأسباب يجب أن لا تكون بمفهوم المخالفة لأحكام ومبادئ ونصوص القانون الدولي بفروعه؛ فإذا جَرَّم القانون الدولي الاستيلاء على الأراضي فإن الاستيلاء عليها لا يكون سبباً عسكرياً قهرياً، وإن جَرَّم القانون تهجير السكان المدنيين فإنّ تهجيرهم لا يندرج تحت السبب العسكري القهري، وهكذا.

ورقة علمية لمركز الزيتونة تبحث أوامر الإخلاء الإسرائيلية في ضوء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 

أصدر مركز الزيتونة ورقة علمية تحت عنوان “أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقِع والقانون… الحرب على قطاع غزة نموذجاً 2023-2025″، وهي من إعداد المحامي والباحث في الشأن القانوني الأستاذ ضياء نعيم الصفدي. وتكشف الدراسة حقيقة أوامر الإخلاء الإسرائيلية ومحاولة الاحتلال استخدامها في التغطية على جرائمه ومجازره وحشية.

حيث تسعى “إسرائيل” في الكثير من الأحيان، حينما تحاول قصف منطقة معينة في قطاع غزة، أن تبرز للعالم أنها تحت أحكام القانون؛ وذلك من خلال التحذير المُسْبَق للسكان المحيطين بالمنطقة محل الاستهداف، وهي ما يطلق عليها “أوامر الإخلاء” أو ما اعتاد على تسميتها سكان القطاع بالمنشورات أو المناشير، وهي عبارة عن أوراق مطبوعة تُلقى من طائرات الاحتلال، أو رسائل صوتية مسجلة ترسل على الهاتف النقال، أو منشورات إلكترونية عبر مواقع الانترنت يُلْزِم فيها الاحتلال بإخلاء منطقة معينة من القطاع.

وتدور الورقة حول تبيان ماهية أوامر الاخلاء، والتمييز بينها وبين المصطلحات المشابهة، من أجل الوقوف على حقيقتها ودورها الشكلي، في تجنب الدمار الفعلي، والقتل الدموي، والاستيلاء غير القانوني، والتهجير القسري. وتعمل على التعريف بأوامر الإخلاء مع إبراز الدور المخادع الذي تلعبه “إسرائيل” في إلقاء مثل هذه المنشورات وفهم أسلوب كلماتها وجودتها، كما وتهدف إلى التعرف على الوسائل التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في تكريس الإخلاء، والتعرف على أنواع الإخلاء. ومن ناحية أخرى، تهدف الورقة إلى توضيح الواقع الفعلي وكشف الستار عمّا وراء أوامر الإخلاء المشروعة والتي جعلها الاحتلال غير مشروعة.

وكشفت الورقة أنّ “إسرائيل” هي صاحبة الرقم القياسي في اختراق القانون الدولي، وعدم احترام مبادئه، والتحايل على قواعده، وتقويض إلزاميته؛ من خلال ارتكاب كافة الجرائم الدولية، ومخالفة جميع النصوص القانونية والاجتهادات القضائية والتفسيرات الفقهية. فحتى كتابة هذه الورقة، ألقى الجيش الإسرائيلي منذ 7/10/2023 آلاف المناشير الورقية والإلكترونية على رؤوس السكان في قطاع غزة تلزمهم بإخلاء مساكنهم، واللجوء إلى مناطق أخرى في القطاع أو اللجوء إلى جنوب القطاع، وهذه الأوامر تحتوي على مساحة إخلاء أكبر، والإخلاء بالقوة العسكرية.

إلا أن التكييف القانوني لمثل هذا الإخلاء يُصنَّف على أنه جريمة دولية تحت تكييف جريمة ضدّ الإنسانية، وجريمة حرب، وجريمة إبادة جماعية، الأمر الذي يلصق الاحتلال بالمساءلة القانونية الدولية. ويقع التكييف الدقيق لمثل هذه الاخلاءات تحت مصطلحات “التشريد الداخلي، والنزوح، والإبعاد الداخلي”، حيث أجبرت هذه الأوامر تشريد نحو مليونَي نازح فلسطيني تحت ذريعة أوامر الإخلاء.

واتَّبع الباحث في دراسته المنهج الوصفي التحليلي؛ الذي يصف ظاهرة أوامر الإخلاء ومفهومها، وأنواعها، مع تحليل الموقف القانوني منها، والمواجهة التشريعية الدولية لمثل هذه الأوامر، ومن ثم تطبيق ذلك على أرض الواقع في قطاع غزة.